قصص أهل البيت

الإمام الكاظم (عليه السلام)

الإمام الكاظم (عليه السلام)

عندما بدأت خيوط الظلام تنتشر بين أرجاء السماء وازدادت النجوم إشراقاً بضوئها اللؤلؤي احضر الجد سعيد كتابه القصصي وجلس وسط الحديقة المليئة بالأشجار الخضراء مع أحفاده ليسرد لهم ما يتمنون سماعه، وبدأ الحديث حيدر قائلاً: يا جدي العزيز ما هو موضوعنا لهذا اليوم، فأجابه الجد سعيد: اليوم سيكون حديثنا عن الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) ففي مثل هذا اليوم في السابع من شهر صفر سنة (128)هـ ولد (عليه السلام) ) في مدينة (الأبواء) التي تقع بين مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وقبل أن يكمل حديثه قالت زينب : يا جدي لماذا لقب الإمام بـ(الكاظم) فما معنى ذلك، فأجابها الجد سعيد وهم يشير إلى صدره: يا عزيزتي لشدّة تحمّله وصبره على الأذى وكتمه للألم والغيظ، ولحسن خلقه، ومقابلته للإساءة بالإحسان...... وبعد أن سمعت الإجابة زينب قالت: هذا يعني أن الإمام كان كثير العفو والمسامحة، فأجابها الجد سعيد قائلاً: نعم يا صغيرتي فقد كان الإمام الكاظم (عليه السلام) يهدي هدية لكل من يتكلم عنه بسوء وقد روي عنه كان رجلٌ بالمدينة كثير الإيذاء للإمام، فكلَّما رآه شتمه وشتم الإمام علي ( عليه السلام ) وهذا مما أثار الانزعاج عند بعض أصحاب الإمام وطلبوا من الإمام أن يسمح لهم بضربه لكن الإمام منعهم عن التعرض له بسوء، وراح الإمام يسأل عن عمل ذلك الرجل، فقالوا : إنّ له مزرعة خارج المدينة، فذهب الإمام ودخل المزرعة، فصاح الرجل : لا تسحق زرعنا، فاستمر الإمام في طريقه حتى وصل إليه، فسلّم عليه وجلس عنده، وراح يضاحكه، ثم قال له : أنا سحقت زرعك وألحقت بك الضرر فكم تريد من المال؟ فقال الرجل: مائتا دينار، حينها مد يده الإمام وأعطاه ثلاثمائة دينار، فأخذها الرجل شاكراً، وفي اليوم التالي وعندما ذهب الإمام إلى المسجد، نهض الرجلُ واستقبله بكل سرور، فتعجب أصحاب الإمام، حينها أخبرهم الإمام (عليه السلام) بما فعل، وأوصاهم بمداراة الناس، ومعاملتهم بالحسنى ..... وبعد أن أتم الجد سعيد حديثه سأل حيدر قائلاً: هل اشتهر الإمام بألقاب أخرى، فهز الجد رأسه قائلاً: نعم يا بني فلقب بـ(العبد الصالح) و (زين المجتهدين) لكثرة عبادته فقد كان الإمام (عليه السلام) أحفظ الناس بكتاب الله تعالى وأحسنهم صوتاً به، وكان إذا قرأ القرآن الكريم يحزن ويبكي السامعون لتلاوته، وكان لشدّة علاقته بالله تعالى وشوقه إليه وسعيه إلى رضاه يسعى حاجّاً إلى بيت الله الحرام مشياً على قدميه، وكان إذا وقف بين يدي الله يصلِّي تسيل دموعه من شدة الخشوع، وكان كثير الاستغفار والشكر ولا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتى يقرب زوال الشمس وكان يدعو كثيرا فيقول: " اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب ويكرر ذلك حتى يبكي من خشية الله تعالى وتمتلئ لحيته بالدموع وأضافت زينب قائلة: يا جدي سمعت معلمتي تقول أن الإمام الكاظم (عليه السلام) كان يتفقّد فقراء المدينة في اللّيل سرا فيضع اللثام على وجهه ويحمل على ظهره الكثير من الطعام ويوزعه عليهم فيأخذون الطعام والشراب من دون أن يعرفونه، فأدار الجد سعيد وجهه نحوها قائلاً: أجل يا عزيزتي وكذلك كان (عليه السلام) يقوم بشراء العبيد الذين يعانون من ظلم الملوك ويطلق حرّيّتهم في سبيل الله تعالى، وقد ذكرت كتب التاريخ نماذج من ذلك، حتى كان يشتري الأسرة بكاملها ويحررها لوجه الله تعالى..... ثم رفع حيدر يده قائلاً: هذا يعني بأن الإمام(عليه السلام) كان يقف بوجه الظلم بكل كبرياء، ففال الجد سعيد وهو يضع يده على كتف حيدر: نعم يا بني وكذلك كان الإمام(عليه السلام) يوصي جميع الناس بعدم التعامل مع النظام الأموي الظالم بأي صورة كانت، ففي يوم من الأيام دخل عليه أحد أصحابه وهو صفوان الجمال الذي كان يملك الكثير من الجمال والأغنام وحين أستقبله الإمام الكاظم(عليه السلام) قال له: يا صفوان كل شيءٍ منك جميل، ألا شيئاً واحداً، فأجابه صفوان متعجّباً: جعلت فداك، أي شيءٍ هو؟ قال الإمام: إعطائك جمالك إلى هارون الرشيد، فقال صفوان: والله ما أعطيتها لصيدٍ أو لهوٍ، بل لأبعث معه غلماني، فقال الإمام: يا صفوان هل تتقاضى أجرة جمالك من هارون وجماعته؟ فأجابه صفوان قائلاً: نعم جعلت فداك، فقال الإمام : أي أتحبّ بقاء هارون الرشيد حتى لا تضيع عليك أجرة إبلك؟ قال صفوان: نعم، أجابه الإمام: فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم فقد ورد النار حينها قام صفوان من عنده وباع جماله منذ تلك اللحظة وأضاف الجد سعيد قائلاً: فالإمام ( عليه السلام) كان لا يسمح لأي احد من أصحابه أو من عامة الناس بان يخضع إلى النظام الأموي الظالم والحاقد لذلك تراه في كل حين يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى وتطبيق التعاليم الإسلامية وترك المعاصي وكل ملذات الدنيا والوقوف بوجه الباطل من خلال تعليمهم بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقبل أن ينهي الجد سعيد كلامه قال : اعلموا يا أحبائي فقد كان شديد الحب للناس وينالوا الكثير من عطفه وحنانه فتراه يسعى دوماً لقضاء حوائجهم لذلك اجتمع الكثير من الناس حوله ويجب أن نتعلم هذا الخلق العظيم منه........ وبصورة مباشرة سأل حيدر باستغراب: يا جدي أسمع الكثير من الناس يقول السلام على المعذب في السجون فما معنى ذلك، فأجابه الجد سعيد بنبرة حزينة: يا ولدي أن السلطات العباسية الظالمة والشديدة العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) قاموا باعتقال الإمام (علية السلام) ورموا به في السجن من اجل أن يقضوا عليه ويمنعوه من الاتصال بمواليه لأنه حير عقولهم في عبادته وكثرة اجتماع الناس حوله، فأقتربت زينب من جدها وهي تمسح الدموع من خده وهي تقول بصوت عالٍ : السلام عليك أيها المعذب في السجون ..... وأستمر الجد سعيد في كلامه قائلاً : فقد أمضى الإمام (عليه السلام) فترة كبيرة من حياته في ظلمات السجون يقضي كل وقته في قراءة القرآن الكريم والدعاء والاستغفار والسجود وكان يُنقل من سجن إلى سجن، وآخر سجن نقل إليه في بغداد وهو سجن السندي بن شاهك( لعنة الله عليهم أجمعين) وكان أشد السجون عذاباً وظلمة وكان لا يُعرف الليل من النهار وكان السندي بن شاهك شديد النصب والعداوة لآل الرسول (ص) وفيما بعد أمره هارون الرشيد بسم الإمام (عليه السلام) فقدم إليه عشر حباتٍ من الرطب المسموم وأجبره على أكلِها، فتناولها الإمام (عليه السلام) وتمرض من ذلك ثلاثة أيام ثم استشهد بعدها مظلوماً في السجن المظلم تحت القيود والأغلال يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شهر رجب وقد أخرجوا جنازته المقدسة ووضعوها على جسر الرصافة ببغداد وفيما بعد حملت جنازته ودفن في مدينة الكاظمية المقدسة .

إتصل بنا

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.

جاري التحميل ...

{{res.p}} ,
{{res.text}} .

موقعنا

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...